المنصة الحرة

المحور الثالث – رأي الناقد احمد هاشم

موقع مجلة المشهد المسرحي

المنصة الحرة

المحور الثالث

رن هاتفي واسرعت اليه بدأ التحية والسلام ، قال لي هل عرفتني ؟
اجبته لاصغرا بك ، الصوت ليس بالغريب لكن اكيد انت من مصر واضح من لهجتك .
قال انا الناقد احمد هاشم من مصر ، وجدت رسالتك .
لذلك انا جاهز مع رأي ان اكون على المنصة الحرة لطرح رأي عن المحور الثالث .
قلت له توكل على الله .

الناقد المصري احمد هاشم ورايه بما طرح بالمحور الثالث.

المسرح النسائي… النقد النسائي

بدايةً هل يوجد ما يمكن أن يطلق عليه المسرح النسائي ؟ ومن ثم هل يوجد ما يمكن أن يكنى بالنقد النسائي ؟
شخصياً لا أتوائم ولا أتفاعل مع تلك المسميات مثلها مثل ما يطلق عليه المسرح الشبابي ، وقد كتبنا كثيراُ مع إنطلاق الدورة الأولى لمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى فى مصر متسائلين عن تلك الهوية التى وسم بها المهرجان نفسه كمهرجان للمسرح الشبابى … هل هو المسرح الذى يقوم على إبداعه مجموعة من الشباب ؟ تأليفا وإخراجا وتمثيلا وإضاءة وديكور … إلخ كل عناصر العرض المسرحى أم هو مجموعة من العروض المسرحية التى لا تعالج فى أطروحاتها الفكرية سوى هموم ومشاكل الشباب ؟ أم هما الأثنين معا ؟
وبهذا المفهوم يمكننا الولوج إلى المسرح النسوى وطرح أسئلة مشابهة لمعرفة المقصود به … هل هو المسرح الذى يكتبه ويخرجه ويجسد شخصياته ويصمم ديكوراته مجموعة من المبدعات فقط ؟
وإذا كانت الإجابة بنعم فكيف يكون الأمر مع ميكانيست المسرح ؟ لا سيما وأنه يتطلب العنصر الرجالى فى المسارح التى لا زال يعمل بعضها بشكل يدوى فى رفع المناظر أو إنزالها من هرس المسرح ( السوفيتا ) ؟
أم أن المسرح النسوى هو تلك العروض المسرحية التى تعالج القضايا الخاصة بالمرأة كمشاعرها وأحاسيسها، أوحملها وولادتها، أو مطالبها بمساوتها بالرجل فى الحقوق والواجبات والحريات وحق العمل …إلخ؟
بغض البصر عن جنس كاتب النص ( رجل أو أمرأة ) ونوع مخرج العرض رجلا كان أم أمرأة ؟ ويحضرنا فى هذا السياق ما كان يطلق على الروائى الكبير الراحل “إحسان عبد القدوس” بأنه أفضل من عبر فى رواياته عن تفاصيل مشاعر وأحاسيس المرأة بشكل أفضل مما عبرت به وعنه الروائيات الإناث فى كتاباتهن عن المرأة.
إن أصحاب مثل تلك النظريات التى تسعى إلى تصنيف الإبداع على أساس النوع قد يجدون بعض المماحكات التى يتصفصتون بها ربما فى مجال الرواية أو الشعر وربما المسرح أيضاً، ولكن ماذا لو طلب منهم تحديد هوية الإبداع النقدى الذى تكتبه أمرأة ، بحيث يمكن – عبر تلك المحددات – أن نطلق على ما تكتبه النساء من دراسات نقدية هو نقد نسوى، وسوف يسقط فى أيديهم ، إذ أن كاتب أو كاتبة الدراسات النقدية لا ينطلق/ تنطلق من فراغ بل ينطلق الناقد رجلا كان أم أمرأة مؤسسا رؤاه النقدية على ما سبقه من دراسات ونظريات سابقة عبر العديد من الأزمنة ، وهى التى تشكل منها وعى الناقد ومرجعيته النقدية بالإضافة إلى ثقافته العامة وإجتهاده فى إقامة علاقة جدلية بين مرجعياته والخروج منها بتأويلات قد تكون مغايره وفق رؤاه الخاصة وملكته الإبداعية …
إذا فإن تشكل الوعى والإكتمال الفكرى المؤسسين على مرجعيات واحدة أو متشابة أو متقاربة سيكون مردودها متقارب أو متشابه سواء كتب هذا المردود رجلا كان أم أمرأة، ولا يفصل بينهما سوى الفروق الفردية بين هذا وتلك ، أو هاته وتلك ، أو هذا وذاك دون الفصل على أساس النوع (ذكر وأنثى ) بل يأتى الفصل على أساس فهم وتأويل المرجعيات المتقاربة
فكل نقاد المسرح قد قاموا بدراسة نظرية الدراما الأرسطية عبر كتابه العمدة فى النقد ( فن الشعر) لكن هل تساوى الفهم وإستيعاب نظرية ” أرسطو” لدى جميع النقاد نساء ورجال ؟
تأتى الإجابة بالطبع بالنفى ..ليكون التصنيف فى الكتابات النقدية أيضاً وفق هذا الإستيعاب وليس وفق نوع أو جنس مبدع الكتابة النقدية ، ولكى نزيد الأمر إيضاحاً فإننا نطرح هذا السؤال … لو شاهد مجموعة من النقاد بينهم (نساء ورجال) عرضا مسرحيا واحدا فهل يتساوى مستوى التلقى لدى النقاد من الرجال ؟ وهل يتساوى مستوى التلقى أيضاً لدى النقاد من النساء؟ أم يتعدد مستوى التلقى بين الذكور، كما تعدد مستويات التلقى أيضا لدى الإناث وفقاً للفروق الفردية الثقافية والإجتماعية بل والحالة المزاجية والنفسية والصحية أيضاً لدى كل الذين شاهدوا العرض المسرحى الواحد ذكوراً وإناثاً … وعلى أساس تعدد مستويات التلقى على النحو الذى أشرنا إليه تأتى الكتابات النقدية بمستوياتها المتعددة أيضاً وليس وفقا لنوع الناقد الذى يكتب ذكراً كان أم أنثى .
إن الإبداع الفنى بشكل عام هو منتج إنسانى بغض النظر عن نوع جنس مبدعه، ويسعى هذا الإبداع – عبر العديد من الرؤي المختلفة – أن يفك طلاسم هذا الكون عبر الأزمنة المختلفة وأن يفهم رموزه ويتغلب على شفراته بالتراكم المعرفى عبر الزمن ليعين الإنسان على الإستمتاع بالحياة عبر رؤى أرحب ومدارك أوسع تحتضن الكون لو أستطاعت .
أما ما يطرحه البعض من وقت لآخر حول تصنيف العمل الإبداعى حسب نوع أو جنس صاحبه ، فهو موضوع جديد قديم أو قديم جديد, يطفو على السطح من آن الى آخر, لكن علينا أن نلاحظ أن مثل تلك التصنيفات لا تظهر إلا فى زمن الجدب الإبداعى, ويكون مصدرها النقاد أنفسهم.. هؤلاء الذين لا يجدون من الغنى والثراء الإبداعى ما يتناولونه بالدراسة والكتابة النقدية, فيشغلون أنفسهم بمثل تلك المهاترات البيزنطية الناتجة عن فراغ لا يجد قضايا حقيقية تملأه.
وهناك سبب آخر ساعد على طفو تلك القضية على سطح الظاهرة الإبداعية فى وطننا العربى (المسرح النسائى, والنقد النسائى, وما إلى ذلك) هو ظهور ما يطلق عليهم/عليهن “الفيمينست” (المدافعين عن حقوق المرأة) والخلط الموجود لديهم بين حقوق المرأة كإنسان ـ فى مجتمع ذكورى ـ يتساوى مع الرجل له كل الحقوق وعليه كل الواجبات, وبين المغالاة فى طلب تلك الحقوق , ولإثبات أن المرأة لا تقل عن الرجل يسيجون أنشطتها الإنسانية بسياج يضعون ـ ضمن ما يضعون ـ نشاطها الإبداعى فى بؤرة ذلك السياج ويطلقون عليه تلك المسميات (الإبداع النسائى) وهذا هو الخلط بعينه دون أن يدرون أن تلك التفرقة هى ضد ما يسعون إليه من مساواة بين المرأة والرجل اللذان خلقهما الله فى الأصل متساويين من الناحية الإنسانية, وأن ما حدث بينهما من تفرقة تستند إلى النوع والجنس إنما هى من صنع المجتمعات الذكورية, وقد كرست لها ـ للأسف الشديد ـ بعض الديانات الذكورية أيضا حتى وإن غلفت خطابها الدينى بنغمة تكريم المرأة إذ يسهل نسف هذا الغلاف من داخل خطابها ودعويتها ذاتها

وليس هذا موضوعنا على كل حال…. إذن ما يمكن قوله فى هذا السياق هو أن المرأة إذا كانت هى الساعية إلى تمييز إبداعها بدافع من الإختيال المراهق منقوص الوعى فهى بذلك التمييز وخلع صفة النسوية على إبداعها إنما هو فى حقيقة الأمر تقزيم لمساعيها المتواصلة للمناداة بالمساواة بينها وبين الرجل… وإذا كان الرجل هو المنادى بخلع الصفة النسوية على النشاط الإبداعى للمراة ـ محاباة أو تزلفا ونفاقا لها ـ فهو يضرب فى مقتل ـ بخبث أو صدق نية ـ مساعيها الرامية الى مساواتها بالرجل.

إن الأبداع ـ كما أشرنا من قبل ـ هو إبداع ونشاط إنسانى جمالى أبدعه رجل أو أمرأة هو إبداع فى نهاية المطاف, والمسرح هو المسرح أيا كان نوع أوجنس خالقه, والنقد هو نشاط عقلى وجدانى قائم على تلك العلاقة الدياليكتيكية التى ينشئها الناقد (رجل أو أمرأة) بين ما يتلقاه من فنون مكانية أو زمانية أو فن جامع لهما معا (فن زمكانى) كفن المسرح, وعلى المنشغلين بمثل تلك القضايا التصنيفية العبثية للإبداع عدم الإنشغال بما لا يفيد والإلتفات إلى القضايا الحقيقية فى (دفتر أحوال) المسرح العربى وهى قضايا كثيرة تستحق الإنشغال بها والبحث عن آفاق مغايرة لحال مسرحنا العربى المتدنى فى غالبه رغم كثرة المهرجانات وكثرة كرنفالات التصفيق والتقييمات المجاملة على الشبكة العنكبوتية طمعا فى نزهة الى مهرجان, أو إنتظارا لرد المجاملة..

وفى النهاية لا نخدع إلا أنفسنا, ولا نخزل إلا مسرحنا وهذا ما يجب الإلتفات إليه بجدية وإخلاص حتى لا نجد أنفسنا خارج الزمن، وفى غير مواكبة لما يبدعه فنانو المسرح على مستوى العالم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى