عروض مسرحية

من عروض المهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين – تونس – “تائهون” عنوانًا ” ، مُهتَدون” مسرحًا – الناقد والكاتب والمخرج انور شعافي كتب رؤيته في عرض تائهون لنزار السعيدي

 

من عروض المهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين – تونس –

“تائهون” عنوانًا ” ، مُهتَدون” مسرحًا

الناقد والكاتب والمخرج انو شعافي كتب رؤيته في عرض تائهون لنزار السعيدي

 

           انور شعافي

شاهدنا ضمن عروض الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين والذي انتهت فعالياته قبل ايام ، محطة جديدة في مسار مشروع المخرج نزار السعيدي مُبشّرة بمسرح جديد منزاح و مؤسِّس.

                 نزار السعيدي                                   

إن تاريخ المسرح هو تاريخ جمالياته .

فقد ظهرت الواقعية مثلا إثر الثورة الصناعية و كانت العبثبة نتاجا للحرب العالمية الثانية، فلا يمكن إذن أن نعبّر عن الجديد بالقديم و لا أن نقيّمه بأدوات عتيقة .

 

        د . عبد الحليم المسعودي

كذلك عرض ” تائهون” لا يجوز مشاهدته بعيون أرسطية و لا قراءته بأقلام جفّ حبرها.

جاء عنوان العرض مزدوجا بلغتين ، مختلفا بمعنيين فلم يكن أحدهما ترجمة للآخر فكان بالعربية نحويا في صيغة حال و الحال هو بيان هيئة صاحبه و هنا هو وصف لحالة التيه و أما بالانقليزية فكان معبرا عن جهة التناول و هي الحانب المظلم Dark side للموضوع .

و بعد مشاهدة العرض تبرز مرجعيته الجمالية المندرجة تماما في مسرح معاصر كتابة مشتركة مع د . عبد الحليم المسعودي و إخراجا منزاح عن سلفية جمالية لم يعد بإمكانها أن تعبر عن واقع الآن و هنا و هي سلفية غالبة على التجارب المسرحية في تونس و جل المنطقة العربية  ، لأن أصحابها لم يحيّنوا من أدواتهم فبعضهم مازال يستعمل الحمام الزاجل في عصر الهاتف الجوّال.

كما أسلفنا القول بأن تاريخ الجماليات هو نتاج أحداث كبرى فكان على المسرح بعد حادثة 11 سبتمبر 2001 إعادة دمج عناصر مستعارة من الواقعي و من الوثائقي و في هذا الإطار تبرز أعمال المخرج الألماني Falk richter أحد روّاد الدراما الجديدة Le théâtre néo-dramatique و هي إرث الما بعد درامي Le postdramatique و قد دعا ريشتر إلى إعادة تشكيل الادوات الإخراجية فالمحاكاة بمفهومها الارسطي لم تعد قادرة على التعبير عن واقع اليوم لذلك فإن تعريف أرسطو عن الفعل و الأشخاص الذي يفعلون تجاوزته جماليات اليوم و أصبحت المحاكاة تقتصر على مجرد إعادة إنتاج وضعية واقعية كما هو الشأن في مسرحية تائهون المستندة إلى حادثة قتل طفلة لإمها بل إن مفهوم المحاكاة تطور إلى نوع جديد من مسرح – السرد كما هو في أعمال الالمانية Anja Hilling مثل مسرحيتها Sinn و معناها ” حواس “. تتابعت لوحات المسرحية بتركيب Montage سينمائي على مستوى الكتابة النصية و الركحية لذلك لا يجوز الحديث هنا عن سلاسة Une fluidité الإنتقال من لوحة إلى ما تليها بالمفهوم المسرحي بل ننتقل في هذا العرض من مشهد Une scène إلى آخر بمفهومه السينمائي و هذا يبرز أيضا في تحركات الممثلين داخل الفضاء الركحي في المتاهة الضوئية المتأسّسة في الرواقات Les couloirs و مستوياتها و هذا يبرز التيه في تشكيل بصري كما تخلق الرواقات أمكنة ركحية مختلفة و أيضا تغييرا في زوايا المشاهدة فتستعير بذلك لغة الكاميرا.

الاداء جمع بين أساليب و مساحات لأجيال مختلفة فخلقت مزيجا جميلا بين جيل مؤكّد comfirmé مثل رمزي عزيّز و جمال ساسي و جيل ما بعده قد أكّد حضوره بعد ، مثل محمد شعبان، علي بن سعيد ،إنتصار عيساوي، تماضر الزرلي و صادق الطرابلسي .

” تائهون ” مسرحية معاصرة قاطعة مع ” مسرح موميائي ” لا يسعى إلى أن يتزحزح عن ” ركحه الحجري ” بل إن المومياءات نفسها غيّرت من مكانها فبعد أن ظلت لقرون حبيسة أهراماتها إنتقلت إلى المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة و ها هي اليوم تتحوّل إلى مقرها الجديد بالمتحف القومي للحضارة المصرية ، و كذلك يجب أن يفعل نقاد المسرح و لجان التقييم و التحكيم بتغيّير زجاج نظّاراتهم الأرسطية الذي أصبح لا يسمح برؤية واضحة لواقع اليوم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى