مسرحيات عربية

تحليل لمسرحية قضية إسكات البببغاوات للكاتب ابراهيم الحسيني

كتب الصديق الفنان الدكتورعلي خليفة تحليلا لمسرحي ة(قضية إسكات البببغاوات)للكاتب المسرحي ابراهيم الحسيني قال فيها :

مسرحية قضية إسكات البببغاوات

لإبراهيم الحسيني

هذه أول مسرحية أقرؤها للكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم الحسيني، وهي من أواخر كتاباته المسرحية، وقد شدني لها حين قراءتي إياها ما فيها من تجريب في الشكل، فهي تحتوي على أقصوصة كتبت في بدايتها، ثم تم وضع عبارة من تلك الأقصوصة في مفتتح كل مشهد منها، وهذه العبارة الموضوعة في مفتتح كل مشهد منها تتداخل مع أحداث ذلك المشهد.

ويمكن أن نعد هذه المسرحية بهذا الشكل تجمع بين القصة القصيرة والمسرحية القصيرة، وهي بهذا شكل مصغر لما جرى العرف على تسميته بالمسراويه، كما كتبها كتاب عالميين بارزين مثل جون ستاينبيك في عدة أعمال له، أهمها عمله الاحتراق الساطع، وتوفيق الحكيم في عمله بنك القلق.

والحق أن ما كتبه إبراهيم الحسيني هو أقرب في الشكل للمسرحية، ويمكن الاستغناء عند عرض هذه المسرحية عن العبارات التي يتم سردها في مفتتح كل مشهد منها، وكذلك يمكن أن يقوم راو بقولها، وبهذا فإنه لن توجد مشكلة في تقديم هذه المسرحية كعرض مسرحي، وذلك على الرغم من الشكل الذي كتبت به وجمع بين المسرحية القصيرة والقصة القصيرة.

والحدث الذي نراه في هذه المسرحية يذكرنا بالحدث الذي عرضه فريدريش دورينمات في مسرحية محاكمة حول ظل حمار، ففي كلتا المسرحيتين نرى خلافا بين طرفين حول قضية تبدو تافهة، ولكن العناد بين الأطراف في كلتا المسرحيتين يتسبب في اشتعال الخصومة بينهم، وتغريمهم خسارة كبيرة خلال المقاضاة.

وفي مسرحية قضية إسكات الببغاوات نرى السيدة هويدا التي هي في منتصف العمر قد انتقلت لبيت جديد مع ببغاواتها الثلاثة، وينزعج جيرانها من صراع هذه الببغاوات وعراكها، ويشتكون هذه السيدة في القسم، ولا يحل الأمر بالطرق السلمية، فيحال للقضاء، ويكلف القاضي خبيرا بالطيور لمراقبة حال هذه الببغاوات، وليحكم على مدى إيذائها بصراخها للجيران، ويكتشف بعد ذلك أن الشخص صاحب المعطف الذي زعم أنه مراقب لهذه الببغاوات هو مزيف محتال، ويظهر شخص غيره هو صاحب المعطف، ويظهر أنه المراقب الحقيقي.

ويمل القاضي الذي يبحث هذه القضية من كثرة التقاضي فيها، فيترك للمختصمين فيها أن يفعلوا ما يريدون، وعند ذلك يقوم أحد الجيران، بقطع ألسنة هذه الببغاوات، والغريب في الامر أنها تستمر في صراخها حتى بعد قطع ألسنتها.

وقد جعل المؤلف لهذه الببغاوات حياة خاصة، وهم في حياتهم الخاصة يسخرون من ظنون البشر بهم، ومن اتخاذهم مدعاة للأنس والترفيه في بيوتهم، ونرى هؤلاء الببغاوات يتكونون من ذكرين وأنثى، وسبب خصومتهم هو صراع الذكرين على الأنثى الوحيدة بينهم، وهي تؤجج هذه الأنثى الخصومة بين هذين الببغاوين الذكرين بادعائها ان ذلك يشعرها بأنوثتها، ويصيب الذكرين الإعياء الشديد من كثرة عراكهما، ومع ذلك فلا يتوقف صراخهم وضجيجهم.

وأعتقد أن هذه المسرحية توحي بأن مشاكل الحياة لا تنتهي، منذ بدء الخليقة، وأكثر الناس تستغرقهم مشاكل كان من الممكن ألا يعبئوا بها، وينعموا بحياة طيبة، ولكنهم بغريزة التخاصم التي فيهم يضيعون حياتهم في مثل هذه المشاكل البسيطة، وغالبا ما يدركون خسارتهم من انهماكهم في هذه المشاكل بعد ضياع الوقت وضياع الصحة والعمر، كحال الببغاوين الذكرين في هذه المسرحية في إدراكهما عبثية الصراع الذي كان بينهما بعد ان شعرا بإعياء شديد بعد كثرة عراكهما بسبب هذه الببغاء الأنثى التي كانت تستمتع بعراكهما المتواصل من أجل ظفر الغالب منهما بها، وقد كانت تتسلى بمشاهدة عراكهما في حين أنهما فقدا صحتهما وحيويتهما خلال ذلك العراك بينهما.

    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى